رحلة إمتاع في ظلال رحلة مع الحياة / محمد غلام محمد بوب

رحلة تشدك من أول حرف، فصولها كأصابع العسل لا تدري أيها أشهى.

 

فعلى كل قنة من هذه المذكرات الفريدة للعلامة الدكتور محمد المختار ولد اباهوكلها قنن وقممكنت أقف. من البدايات في أحضان البادية إلى رحاب المحظرة إلى التحصيل العصامي إلى مفترقات طرق الحياةومعتركها.

 

كنت أقف وأتأمل، وحتى أنا أتعتب أولى الصفحات، كانت تتملكني الدهشة والشعور بالانتشاء وبكثافةاللحظة المثيرة أسئلة من قبيل: ما الذي يمكن أن يكون في باقي الصفحات التي ناهزت الأربعمائة؟

 

وأي المواقف والمعارف والخبرات، بعد هذا، يمكن أن يستثيرك؟

 

وقد تبين لي دائما أن وراء الأكمة ما وراءها، وأني أصّاعد في غابة من الجبال المعرفية ودروس الحياة تملأالآفاق، لا يمكن النزول من شواهقها إلا بعد قراءة آخر سطر. تتشبث بآخر حرف متمنيا ألا يكون الأخير لفرطالإمتاع والمؤانسة.

 

بين السياسة والدراسة والأدب والفكر، تقلب ذلك البدوي وشغف بالعلم ونيل أعلى الشهادات وأسمىالدرجات..

 

هنا في هذه المذكرات ستقف على فصول من القصص البكر والنوادر العجيبة، من قبيل قصة الذي يقدمنفسه في القاهرة على أنه الأمير ولي عهد كيديماغا !!وعلاقة ولد اباه القديمة مع عبدو ضيوف وكيف كانالرئيس السينغالي السابق يتلطف بأنه هو من أخذ بيده إلى الرئاسة! ومشاركته في أول حكومة موريتانية،وعلاقاته مع ملوك المغرب الثلاثة وملوك السعودية والأردن وأمرائهما، وكيف خطط لمواجهة السجن،ومغامراته في الطيران متحديا العواصف الهوجاء، وكيف أقلع بطائرة بعجلات دون هواء، وملاحظاته علىمذكرات المختار ولد داداه، وتبرئته الضمنية له من دم الأمير محمد فال ولد عمير، ودوره في التعريب وإنشاءباكالوريا الآداب الأصلية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، ومعاناته في ترجمة القرآن الكريمإلى الفرنسية، وغير ذلك كثير.

 

هنا بين دفتي هذا الكتاب ستجد آثارا وشواهد وبراهين على العالِم الموسوعي المتفنن في أصيل العلوموحديثها، وعلى الشاعر ذي الحس المرهف، وعلى الأديب ذي القلم الرشيق، والمفكر ذي العقل المتنور،والأكاديمي الذي نالبالصبر والمكابدة بعد أن كانمقرئ عربية” – أعلى الدرجات العلمية من أرقىالجامعات الغربية، وعلى صانع الحياة الباني للمؤسسات الذي لا يرضى من المجد إلا بأعلى ذراه. وقبل ذلكعلى السياسي الوطني المسكون بهموم وطنه وسيادته وأمته وحضارة الإسلام والمسلمين.

 

هنا ستطل على آفاق رحبة للتأمل في القضايا المجردة، في الفكر والفلسفة واللغة والتربية، وستقف علىأدق القضايا التفصيلية من تخطيط إجرائي وإداري ووضع للمعايير الدقيقة في القضايا التنظيمية.

 

وفيما يتصل بتاريخ موريتانيا الحديث وما اكتنف لحظات التأسيس، فإنه بصدور مذكرات الدكتور محمدالمختار ولد اباه حفظه الله (رحلة مع الحياة)، تكتمل الروايات، وتصبح الصورة ناصعة ثلاثية الأبعاد.

 

لقد استمعنا لروايات شهود العصر: المختار ولد داداه، محمد عالي شريف، وغيرهما، وبقيت هذه الشهادةغائبة، ولا شك أن صدورها اليوم يسد موضع لبنات أساسية ظل مكانها فارغا في بناء تاريخنا الحديث.

Comments are closed.